لا شك أن للاستغفار آثار عظيمة في المال والأهل والولد فمع الاستغفار تدر السماء مطرها بغزارة ويبارك الله في الولد والأهل والرزق وقصتنا هذه ما هي إلا جزء صغير جدًا من أعداد لا نهائية من قصص تبين آثار الاستغفار الإيجابية على حياة الفرد والجماعة، نعم إليكم قصتنا هذه القصيرة:
العودة
سمع الأب آذان الفجر يصدح في أرجاء البلد معلنا دخول وقت صلاة، قام فورا من نومه ونزع غطاءه عن نفسه حامدا ربه أن هيأه للاستيقاظ ولأداء الصلاة فلا يعتمد إلا على الله حيث يعيش بمفرده لسنوات بعد أن هجره أولاده وانشغلوا عنه بدنياهم، وارتموا بالحياة وارتمت هم الحياة وأبعدتهم عنه.
ذهب الأب إلى المسجد وأتم صلاته ثم توجه إلى الله يحمد ويشكره على نعمائه أن مكنه من خدمة نفسه في هذا السن المتقدم، ثم قام بالدعاء لأولاده بالهداية والرشاد والستر والعافية خاصة أن اليوم هو اليوم المحدد لمجيء أبنائه إليه بعد طول غياب، وهو لا يدري سر الزيارة المفاجئة ويتمنى أن يكون خيرا، وأن يكونوا بخير.
حضر الأبناء إلى أبيهم ورحب بهم ثم قال: ” ما لي أراكم عابسين متجهمين وكأن هناك شيئا هل أنتم بخير يا أبنائي ”
فرد الابن الأكبر نيابة عن أخوته: ” لا يا أبي لسنا بخير لقد تبدلت أحوالنا ولم نعد نستطيع أن نفي بالتزاماتنا بعد أن فقدنا بركة وجودك معنا ووجودنا معك، وبعد عدم إحساسنا برضاك عنا، ها أنا يا أبي كسدت تجارتي، ولم يعد عند الناس رغبة في الشراء، وربما يمضي اليوم بأكمله ولا ابيع فيه شيئا
وهذه أختي تقول لي: إنها بعد أن انشغلت عنك بزوجها وأولادها زادت مشاكل أولادها وتعقدت أمورها، ولا تكاد تنتهي من أمر حتى تدخل في أمر آخر، ولا تخلص من مشكلة إلا وتبدأ مشكلة أخرى، إنها يا أبي تتمنى البركة في أولادها وفي بيتها كما كانت من قبل أن تنزع، وأنها لا تستطيع أن تتوجه إلى الله بالدعاء وهي تشعر أبها مقصرة في أمر الله وفي وصيته للإنسان بوالديه حسنا.
وهذا أخي الأصغر يخشى على نفسه نفس العاقبة، وما سمعه منا جعله يبادر إليه قبل فوات الأوان ويتمنى رضاك ويقول: من الآن فصاعدا سأكون قريبا من أبي داعيا له ولأمي فقد قاما على تربيتي صغيرا، ووفرا لي كل سبل العيش ،وذلك دون أن يطلبا منا رد الجميل .
سامحنا يا أبي لن نغيب عنك مرة أخرى، ولن نتركك أبدا وحيدا في هذا السن، أنت يا أبي صاحب الفضل بعد الله علينا، أنت وأمي يرحمها الله، نتمنى من أن تغفر لنا خطأنا في حقك لننال بركة رضاك وليرضى الله عنا ويبارك لنا فقد جئنا إليه لنتحلل من ذنبنا في حقك ”
فاستوقف الأب ابنه قائلاً: ” دعائي دائمًا إن يوفقكم الله في حياتكم وآخرتكم، وأنا لم أغضب عليكم ولم أدع عليكم فالأمور كلها بيد الله يسامحنا جميعا كل واحد منا يتجه لربه يدعوه ويستغفره.
وهل يملك أحد أن يغفر لغيره أو يسامحه؟ علمي لا….
وهل يملك أحد أن يحجب غيره عن رضا الله بزعم أن له حق يجب أن يتحلل له منه؟ بالتأكيد لا
ولو الأمور بهذا المنطق كانت الدنيا هي النهاية وكان كل واحد إلها للآخر
وهل يزعم أحد أنه يملك الحق المطلق أو أنه على الصواب؟ كلنا نخطئ يا أولادي، وكلنا نتوب إلى الله، والحمد لله يقبل توبة كل أواب تائب؟
حديثي إليكم يا أولادي للتوعية وليس للعتاب أو لتبييض الصفحة فتبييض صفحتكم أطلبه من الله سبحانه وتعالى هو العليم بكم “.
شكرا لكم يا أولادي والحمد لله الذي ختم لي ولكم بالخير.
الإياب
رزق سالم بولدين وبنت، ابنه الأكبر خليل، وابنه الصغير نبيل، وابنته وفاء، كان سالم ” الأب ” يعتبر أن ولديه هما الأنفع له وكان دائمًا يعتقد بالمثل القديم الذي يحكي عن رجل رزق ببنت فقال: ” والله ما هي بنعم الولد نصرها بكاء وبرها سرقة ”
فنعم الولد كان وفقًا لاعتقاده واعتقاد البعض أن الولد ينصر أباه على غيره بالقوة إذا لزم الأمر واحتاج الأب للنصرة وأيضًا يبره خاصة إذا كبر فيقوم على رعايته والانفاق عليه من ماله، أما البنت فإنها إذا وقع لأبيها مكروها أو تم الاعتداء عليه فإنها لا تملك إلا البكاء وإذا أرادت أن تبره فلا تملك مالاً خاصًا بها وربما تأخذ من بيت زوجها فيكون برها سرقة.
كان سالم يدلل ولديه خليل ونبيل، ويغدق عليهما بالخير بخلاف ابنته وفاء بإنه يأمرها دائمًا بخدمته وخدمة أشقائها ويجعل لهما القوامة والوصاية عليها في إقامتها وترحالها وفي غدوها ورواحها، ولا تستطيع المسكينة أن يكون لها حظ من مال أبيها، ولا تستطيع أن تعمل أو أن تخرج أو أن تعمل لتكسب أو ليكون لها مالا بحجة أنها بنت.
ومع إن هذه العقليات قد انتهت وانتهى زمانها ولكن بقي منها فلول سالم هذا الأب غير المدرك لحقائق الأمور وميزانها الصحيح.
ورغم معاملة الأب سالم المجحفة لابنته وفاء ولكنها كانت تحبه، وتعتني به من باب البر والرحمة من ناحيتها، ومن باب الواجب والفرض عليها من ناحيته.
أما ابناه خليل ونبيل فإنه ينظر إليهما على أنهما الحصن له من نوائب الدهر، وهما الحماية له أذا واجه مشكلة مع غيره من الناس الغرباء.
أما ما لم يكن يحسب حسابه أن الأيام تتغير، وأن القوة والبأس قد لا تستخدمان لصالحه كما أنهما تستخدمان لصالحه.
كبر الأب سالم ولم يعد قادرًا وترك لابنيه كل شيء يتصرفان فيه ووقع لهما بيع وشراء لكل أملاكه ولم يعط ابنته شيئًا على اعتبار أنها بنت.
ومرت الأيام وتغيرت الأمور تمامًا وأصبح الأب يضرب كفا على كف لما آل إليه حاله من إهمال ابنيه خليل ونبيل رغم ما أعطاه لهما حتى أنه لم يعد ينعم من ماله إلا ما يستجديه منهما، وما زال الأمر يتطور حتى هجراه ولم يعد يرعاه أحد إلا ابنته وفاء ليعيشا معًا على معاشه الحكومي القليل.
واسترجع ذكرياته وتأمل في أحوال دنياه وعلم أنه قد أخطأ في حق نفسه وفي حق ابنته، فلم يكن يدري من سيكون أقرب له نفعا في كبره ولو كان يعلم الغيب ما كان هذا تصرفه، ولما كان هذا مآله.
لقد أدرك متأخرًا ما كان من فساد فكره ففك حصاره عن ابنته وأعطاها الحرية لتخرج للعمل الشريف في وسط مضمون لتنفق على نفسها وتتعرف على الحياة وترتطم بها وتجد حياتها مع من تختاره لنفسها.
واستعفر ربه سبحانه على ما كان من ظلم وأدرك أن رزق الله سبحانه وتعالى واستخلفه فيه ليحسن التصرف ما كان ليحرم البنت ويعطي للولد، وأن الله لا يرضى بذلك.
طلب سالم من ابنته أن تسامحه وأنه لم يعد يستطيع أن يكافئها أو يصلح ما أفسده ولكنه يملك فقط أن يدعو لها ويستغفر الله ويطلب منه أن يعوضها خيرا، وإن كان ما عنده نفذ ، ولكن ما عند الله باق ، وأنه قد استوعب الدرس جيدًا ، وتمنى على الناس الباقون على نفس فكره السابق أن يعوا ما حدث ، ويستدركوا من قريب ، وليس بعد فوات الأوان كما حدث معه حتى لا يصيبهم ما أصابه من الحسرة والندم .
آخر التعليقات
نزهة حسن علي شرف | قصة داوود عليه السلام مع نبأ الخصم
كرتون | أفضل 10 مسلسلات أنمي في التاريخ حسب آخر استفتاءٍ لنا
مصطفي | ليوناردو دافنشي: أب الفن و الهندسة المعمارية